انقضاء الدعوى الجزائية بسبب الوفاة


إن مطالبة الدولة بحقها في معاقبة مرتكب الجريمة هو موضوع الدعوى الجزائية ، وهي وسيلتها للوصول الى ذلك الحق ، ولكي تصل الى هذا الحق لابد من القيام بمجموعة من الأعمال الاجرائية حتى تبلغ الدعوى الجزائية غايتها وذلك بصدور حكم نهائي في موضوعها سواء بالبراءة أو الإدانة .. وصدور الحكم النهائي كغاية هو السبب الطبيعي لانقضاء الدعوى الجزائية كما جاء في نص المادة(390) إ ج يمني ، بيد أن هناك أسباباُ عارضة أو طارئة أو خاصة تدرك الدعوى الجزائية فتقضي عليها قبل أن تبلغ الدعوى غايتها ، بل وقبل أن يبدأ التحقيق فيها وهي ما تسمى أسباب السقوط .

وأسباب الانقضاء منها ما هي عامة وهي التي تؤدي الى انقضاء الدعوى الجزائية مهما كانت الجريمة التي نشأت عنها ، ومنها ما هي خاصة بالدعاوى الناشئة عن جرائم معينة .

إن وفاة المتهم يعد سبباً من الأسباب العامة التي به تنقضي الدعوى الجزائية ، فقد نصت المادة (36) إ ج يمني (( تنقضي الدعوى الجزائية بوفاة المتهم عدا حالات الدية والأرش ورد الشرف إذا حدثت الوفاة أثناء نظر الدعوى ولا يمنع ذلك من الحكم بالمصادرة إذا كانت الأشياء المضبوطة التي ظهرت بسبب الجريمة من التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاتها ولو لم تكن الأشياء ملكاً للمتهم )) ، وأشارت المادة (42) إ ج يمني الى حالة الوفاة من بين حالات التي لا يجوز معها تحريك الدعوى الجزائية ويتعين إنهاء إجراءاتها إذا كانت قد بدأت .

بوقوع الجريمة وحق الدولة في اقتضاء العقاب من مرتكبها بواسطة وسيلتها( الدعوى الجزائية) تنشأ رابطة قانونية بين طرفين : طرف إيجابي وهي الدولة بمن يمثلها ، وطرف سلبي الذي يقع عليه الالتزام وهو مرتكب الجريمة ، وهذه الرابطة القانونية هي رابطة شخصية لأن المسئولية الجنائية مسئولية شخصية وبالتالي لا يستطيع شخص غير الدولة أن تقتضي ذلك الحق ، ولا يمكن لشخص غير المتهم أن يؤدي هذا الالتزام ، وعلى هذا الأساس فإن وفاة المتهم تجعل اقتضاء الحق مستحيلاً لأن الشخص الذي يقع عليه الالتزام لم يعد له وجود ، فإذا كان اقتضاء الحق بات مستحيلاً  فإن وسيلة اقتضائه ( الدعوى ) يتوجب أن تنقضي بالضرورة .
إن الأثر القانوني لوفاة المتهم هو انقضاء الدعوى الجزائية ، ولكن يجب القضاء به وذلك بإصدار القرار الملائم في المرحلة التي بلغتها الدعوى ، فإذا كانت الوفاة في مرحلة جمع الاستدلالات يجب على النيابة العامة إصدار القرار بالحفظ كما جاء في نص المادة (112) إ ج يمني ، وإذا كانت في مرحلة التحقيق أن تصدر القرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية ، وفي مرحلة المحاكمة على قاضي المحكمة أن يصدر القرار بانقضاء الدعوى ولو اجتمعت لدى القاضي قبل الوفاة أدلة كافية على البراءة أو أن الفعل لا يكون جريمة في القانون ، فلا يستطيع القاضي الا أن يقضي بانقضاء الدعوى الجزائية لوفاة المتهم ولا يملك الحكم في الموضوع .. وهذا الأثر إنما ينصرف على الدعوى الجزائية فقط ولا ينسحب على الدعوى المدنية ، لماذا ؟ لأن الدعوى الجزائية هي التي يستحيل معها اقتضاء الحق فيها ( حق العقاب ) وبالتالي تضل الدعوى المدنية قائمة ومن الممكن أن يحكم فيها بالتعويض ، كما ينصرف هذا الأثر الى كل ما هو شخصي من عقوبة أو تدبير احترازي ، وبالتالي لا تمنع الوفاة من المصادرة العينية ، ذلك أن المصادرة إنما هي تتعلق بشي ممنوع حيازته في أي يد كانت كما جاء في نص المادة (36 ) إ ج يمني ،  والأثر هذا ينصرف الى المتهم المتوفي وحده دون غيره من الفاعلين أو الشركاء .

قد يحدث أن يقع القاضي في الغلط فيعتقد أن المتهم لا زال حياً بينما هو قد توفي قبل صدور الحكم في الموضوع بالإدانة أو البراء ، هنا يكون ذلك الحكم قد صدر ( معدوماً ) لأن من شروط الحكم وجود أطراف الخصومة ومنهم المتهم ، والمعدوم لا حكم له في القانون ، وطالما هو معدوم فإنه لا يجوز الطعن فيه ولا إعادة عرضه أمام المحكمة التي أصدرته لتصحيحه ، وقد يحدث العكس أن يقع القاضي في الغلط معتقداً أن المتهم متوفياً بينما هو حي يرزق، هنا لابد علينا أن نعرف بأن القرار بانقضاء الدعوى إنما هو قرار أو حكم غير فاصل في الموضوع ( حكم ليس في الموضوع ) هنا لقاضي المحكمة أن يعود الى الخصومة ـ استدراك للخطأ المادي ـ ليواصل النظر لأنه أصلا لم يصدر في الحقيقة حكم في الموضوع .

شاكر محفوظ بنش
المكلا ـ حضرموت


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدعوى الجنائية ( الجزائية ) في القانون اليمني

التمالؤ على ارتكاب الجريمة

التقرير بالاستئناف في الدعوى الجزائية