الحماية القانونية الجنائية لجريمة اصدار شيك بدون رصيد

كتب : شاكر محفوظ بنش


لقد جاء الشيك كضرورة نظراً لتزايد حركة المعاملات بصورة كبيرة ، وبالتالي فإن الشيك يعتبر كوسيلة من الوسائل التي تحل محل النقود في المعاملات التجارية والالتزامات المالية لتعذر النقود من ملاحقة هذا التزايد في حركة المعاملات ، ومن أجل ضمان الشيك أن يقوم بوظيفته كـان لزاماً على المقـنن في " الجمهورية اليمنية " أن يتدخل في تنظيم الشيك وحمايته بالضمانات الكافية ومن بينها الحماية القانونية الجنائية لما يقوم به الشيك في المعاملات التجارية باعتباره ورقة تحل محل النقود في هذه المعاملات .

وإذا كان هناك خلاف حول ماهية الشيك فإن القانون التجاري اليمني رقم 32 لسنة 1991م وتعديلاته بالقانون رقم 6 لسنة 1998م قد حسم الخلاف الدائر حول الشيك عما إذا كان هو أداة وفاء أو أداة ضمان ، فقد جاء في المادة (549 تجاري ) : أن الشيك يكون مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع عليه وكل بيان مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن وإذا قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره وجب وفاؤه في يوم تقديمه ـ من هذا يتضح أن الشيك هو أداة وفاء ـ .
ولا يعتبر الشيك شيكاً إذا خلا من أحد البيانات التي يجب أن يشتمل عليها والتي أوضحتها المادة ( 528 تجاري ) وهي :

1.أن يكون لفظ شيك مكتوباً في متن الصك وباللغة التي كتب بها .
2.تاريخ ورقم الشيك ومكان إنشائه .(مع مراعاة مكان إنشائه وفقاً م/529تجاري)
3.اسم البنك المسحوب عليه .
4.اسم المستفيد .
5.أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود .
6.مكان الوفاء .(مع مراعاة م/529تجاري)
7.توقيع الساحب .

ويشترط في صحة الشيك المستحق الوفاء فيه أن يكون مسحوباً على بنك ، وتخرج كل الصكوك والشيكات المسحوبة في صورة شيكات على غير بنك من الصحة (530 تجاري ) .

الحماية القانونية الجزائية :

أن العلة من تجريم أفعال الساحب والمبينة حصراً في المادة 311 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 / 1994م هي نظرة المقنن الى الشيك كنظرته الى النقود سواء  بسواء ، أي أن قانون الجرائم والعقوبات يحمي كل صك يدل مظهره الخارجي على أنه مستحق الأداء بمجرد الإطلاع باعتباره أداة وفاء ولو استعمله الساحب على اعتبار أنه ضمان أو ائتمان ، لأن الساحب لا يستطيع إخراج الصك من نطاق الوظيفة التي رسمها له القانون بوصفه للشيك أداة وفاء واجبة الدفع بمجرد الاطلاع .

تتم جريمة الشيك وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب، أو سحب بعد إعطائه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي بقيمته ، أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع ، أو تعمد توقيع الشيك بغير التوقيع المعتمد لدى المسحوب عليه . إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها المقنن على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات .  
 
أما إذا أصاب المظهر الخارجي للشيك أي عيب من العيوب الشكلية ـ البيانات الواجب توافرها وفقاً م/528 تجاري ـ وهي العيوب التي تشمل الشيك في ذاته بمجرد النظر الظاهري اليه ففي هذه الحالة يتحول الشيك الى ورقة مدنية أو تجارية فقط تنتفي فيها المسئولية الجزائية عن الساحب كالأحوال الآتية :

1.إذا حمل الشيك تاريخين .
2.الخلو من الأمر بالدفع .
3.الخلو من لفظ شيك باللغة التي كتب بها .
4.عدم تحديد المبلغ أو خلوه منه .
5.الخلو من توقيع الساحب .
6.الجمع بين صفتي المستفيد والساحب .
7.الجمع بين صفتي المستفيد والمسحوب عليه .
8.عدم كفاية المحرر بذاته لأن يكون شيكاً كأن يسحب على غير بنك ... الخ.
9.والخلو في غير ذلك من البيانات الجوهرية الواجب توافرها .

وأما السبب أو الباعث الذي تم إصدار الشيك بسببه فلا عبرة فيهما ، لأن الشيك ينفصل عن سببه ولو كان الشيك قد حرر ضماناً لعملية تجارية أو لسبب غير مشروع فإنه لا يعتد بذلك ولا أثر له على المسئولية الجزائية مادام الشيك قد استوفى في الظاهر عناصر صحته ـ البيانات الجوهرية الواجب توافرها فيه ـ مما يدعم الثقة فيه ويساعد على قبوله في التداول باعتباره نقوداً .. فإذا ثبت عدم وجود رصيد له فإن الاعتداء على المصالح التي يحميها المقنن يكون قد تحقق ويكون لذلك العقاب .

أركان الجريمة :

مادة (311) جرائم وعقوبات : " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من أعطى شيكاً وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كاف وقابل للتصرف فيه أو استرد بعد إعطائه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي بقيمته أوامر المسحوب عليه بعدم الدفع أو تعمد توقيع الشيك بغير التوقيع المعتمد لدى المسحوب عليه ويعاقب بالعقوبة ذاتها من ظهر لغيره شيكاً أو سلمه لحامله وهو يعلم أن ليس له مقابل يفي بقيمته أو أنه غير قابل للصرف .

ولا تقع الجريمة إلا إذا لم يسدد الفاعل قيمة الشيك لحائزه خلال أسبوع من تاريخ إعلانه بالسداد " .

يتضح من نص المادة 311  أن جرم الساحب في جريمة الشيك يتطلب لتحققه توافر ثلاثة أركان وهي : 

 (1) أن يكون محل الجريمة شيك :
والشيك هو أمر مكتوب من الساحب الى المسحوب عليه ـ البنك ـ بأن يدفع بمجرد الإطلاع عليه مبلغاً من النقود لصالح المستفيد ، بوصفه أداة وفاء .

ويجب أن يحتوي الشيك الذي تعنيه م/311جرائم وعقوبات على البيانات الواردة في م/528تجاري حتى يستوفي شروطه الشكلية ، فإذا خلا الشيك من تلك البيانات الجوهرية فإنه يفقد صفته الجنائية وعندئذ يتحول الشيك الى ورقة تجارية أو مدنية فقط تنتفي فيها المسؤولية الجنائية عن الساحب ، لأن الصك وفقاً م/529 تجاري يخرج من اعتباره شيكاً إذا خلا من البيانات الجوهرية الواجب توافرها وفقاً م/528تجاري .

 (2) الركن المادي :
أن الركن المادي لهذه الجريمة هو أفعال معينة يترتب عليها عدم إمكان صرف الشيك، وهذه الأفعال على سبيل الحصر وفقاً لأحكام المادة (311 جرائم وعقوبات )وهي :

1.إصدار شيك ليس له مقابل وفاء كاف وقابل للتصرف فيه .

2. إصدار شيك ثم سحب الرصيد كله أو بعضه قبل صرفه .( تتحقق الجريمة بهذا الفعل حتى ولو كان الساحب قد سحب الرصيد بعد أن تأخر المستفيد في صرف الشيك مدة طالت أو قصرت ، بل حتى ولو تأخر عن الميعاد المقرر في المادة 550 تجاري ) .

3. إصدار شيك ثم أمر المسحوب عليه بعدم الدفع ـ الصرف ـ .( وتتحقق الجريمة بهذا الفعل حينما يصدر الساحب أمراً الى المسحوب عليه بعدم صرف الشيك المحرر ، فمهما كانت الأسباب والبواعث في هذا الفعل فلا تؤثر على قيام المسئولية الجزائية ) .

4. إصدار الشيك بغير التوقيع المعتمد لدى المسحوب عليه .

أن هذه الأفعال المختلفة السابق بيانها واردة على سبيل الحصر لا المثال ، وأن الجريمة تتحقق بإتيان أحدها ، وأن هذه الجريمة تتم بمجرد تسليم الساحب الشيك الى المستفيد مع علمه بأن ليس له مقابل وفاء كاف قابل للتصرف فيه .. الخ ، ولا ينفي الجريمة تقديم المستفيد الشيك للبنك في تاريخ لاحق لتاريخ إصداره ، ويظل الساحب ملتزماً بتوفير الرصيد الى حين صرفه قيمة الشيك بغض النظر عن مصير الشيك أو عن الشخص الذي آل اليه .

 (3) الركن المعنوي :
هذه الجريمة ـ جريمة الشيك ـ من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر القصد الجنائي ، فقد أوجبت المادة 311 جرائم وعقوبات توافر العلم لدى الساحب بأن ليس له مقابل وفاء كاف حينما أعطى الشيك للمستفيد ، ونرى أن عدم وجود رصيد كاف قابل للسحب يعد قرينة على سو النية من الساحب ، لأن الساحب يعلم عادةً بالظروف المحيطة برصيده أو كان عليه وحده معرفة حسابه لدى البنك المسحوب عليه وهو مفترض عليه ، وبالتالي فهو يعلم برصيده في كفايته أو عدم كفايته ، كما أن أمر المسحوب عليه بعدم الصرف يعد قرينه على سو النية مهما كان السبب أو الباعث ، وكذلك التوقيع بغير التوقيع المعتمد لدى المسحوب عليه فإن الفعل في ذاته يدل على سوء النية من الساحب بعدم الوفاء ، وبناء على ذلك فإن العلم الواجب توافره لدى الساحب وفقاً م/311جرائم وعقوبات نراه علم مفترض لأن المادة المجرمة المذكورة أعطت للساحب فرصة الوفاء مدة أسبوع من تاريخ إعلانه بالسداد فإذا انقضت ولم يفي كان ذلك قرينة أخرى على سؤ نيته .

من حيث الاختصاص :
يتحدد الاختصاص في المواد الجزائية ( الجنائية ) وفقاً للمادة ( 234 إ ج ) إما بمكان وقوع الجريمة ، أو بالمكان الذي يقيم فيه المتهم ، أو بالمكان الذي يقبض عليه فيه ،ومن خلال هذه المعايير نستطيع القول : أن مكان وقوع جريمة إصدار شيك بدون رصيد هو المكان الذي يتم فيه إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد، وهو الرأي الفقهي السائد، وقد أستقر القضاء اليمني في اعتبار مكان إصدار ( إعطاء ) الشيك هو محل وقوع الجريمة ، وليس مكان البنك المسحوب عليه ، لأن انعطاف الحماية القانونية على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة تتمثل بطرح الشيك في التداول باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود ، بيد أن هناك من يرى أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تقع في كل من مكان إنشاء الشيك ( المكان الذي تم فيه تحرير الشيك ) والمحل الذي كان يلزم فيه الوفاء بقيمته ( البنك المسحوب عليه ) .

المعارضة في إصدار الشيك :
أن الشيك كورقة تجارية تحل محل النقود يتمتع بكفاية ذاتية تحول هذه الخاصية في سماع أي نزاع يأتي خارج إطارها ، وأن المعارضة من الساحب في قوله : ( أن المستفيد قد قبض الشيك منه بدون حق ، أو أنه قدم الشيك الى المسحوب عليه في وقت لاحق على تاريخه ) لا يؤثر في الشيك مادام قد صدر صحيحاً ، فلا تسمح القواعد الخاصة بالشيك بوصفه أداة تحل في الوفاء محل النقود  من تعطيل حق الحامل في استيفاء قيمته فور تقديمه بأي إجراء يعطل هذا الوفاء إلاّ متى كان في إحدى الحالتين التي تجيزها المادة ( 552 تجاري ) وهما حالة ضياع الشيك أو حالة إفلاس حامله ، وبغير هتين الحالتين لا تقبل المعارضة ولو في دعوى أصلية ، لان الشيك هو التزام صرفي مجرد مستقل عن العلاقة المنشئة له وأسبغ له القانون حماية مدنية ـ تجارية ـ خاصة باعتباره ورقة تجارية تحل في الوفاء محل النقود ، علاوة على الحماية الجزائية .

& & &

شاكر محفوظ

المكلا ـ حضرموت
shakir2001@gmail.com

تعليقات

  1. بارك الله فيك، فضيلة القاضي شاكر محفوظ.

    ردحذف
  2. أتمنى أن تعاود إحياء مدونتك الرائعة هذه، بكتاباتك ومقالاتك.
    دُمت بخير.

    ردحذف
    الردود
    1. لك تحياتي ، سنعاود الكتابة وسنحيي مدونتنا إن شاء الله، لقد غبت عنها طويلاً لإنشغالاتي.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدعوى الجنائية ( الجزائية ) في القانون اليمني

التمالؤ على ارتكاب الجريمة

التقرير بالاستئناف في الدعوى الجزائية